[تنشر هذه المادة ضمن ملف خاص حول التناول السردي للحرب والعنف في سوريا. للإطلاع على جميع مواد الملف اضغط/ي هنا]
انطلاقاً من الإيمان بأن الكتابة الإبداعية في جوهرها فعل حرية، ما يجعل لزامًا على الأدب (الشعر – المسرح - القصة – الرواية)، أن يكون مدافعًا عن حرية الإنسان وكرامته، ومتصدياً للحاكم المستبد. وهو ما آمن به الكثير من كتّابنا الذين رأوا بدورهم أن كل كتابة تتناقض في جوهرها مع هذا المعنى، تحت أي مسوغ، ووراء أي قناع، هي ضرب من الهرطقة المكللة بالعار.
من هنا جاء السعي، وبطلب من مجلة ”جدلية“، لانجاز ملف خاص بالتناول السردي للحرب السورية والعنف، من خلال كتابات عدد من الروائيين والروائيات السوريين في زمن الفجائع والقتل والتدمير والعسف والقهر والحرمان، وفي وقت حوّل فيه عنف وإرهاب المستبدين الثورة السوريّة من ثورة شعب من أجل الكرامة والحرية، إلى حرب "طائفية مذهبية – أهلية"، ترسم ملامحها دوائر النفوذ الإقليمية والدولية. وذلك من خلال توثيق سرد تجاربهم الروائية، وكيفية تمثلها للحرب التي تجلت بنصوصهم في صورة احتراب واعتقالات وقمع مباشر وخطف واغتصاب وحصار ومجاعات، والتي شكلت مكونًا سرديًا أساسيًا بكتاباتهم وكانت ثيمة رئيسة تناولتها أعمالهم.
ولأن "الرواية فعل تجريبي بامتياز" ولأنها أيضاً "لا تتمتع بالحرية إلا إذا تعاملت مع الواقع" - بحسب إبراهيم فتحي (شيخ النقاد المصريين) -، هذا الواقع الذي أسست فيه الأنظمة المستبدة القمعية لبلاغة المقموعين، وباتت فيه المدونة الروائية العدو اللدود للديكتاتورية، وصار على الروائي أن يعمل مؤرخًا، لإعادة الصفحات المنزوعة من التاريخ، إلى مكانها، ويلملم القطع المكسورة من اللوحات التاريخية لاستكمال ماتم تزييفه وتزويره منه، كاشفًا عن كلفة الحرب الإنسانية المروّعة، التي خلفت الفجائع لجحافل المشردين والثكالى وأصحاب الإعاقات، ودمرت مدنًا بأكملها، وحولت الأرض إلى خراب تام، وأحرقت الأخضر واليابس..
من هنا وتأسيساً على كل ما سبق، طلبت مجلة " جدلية" اعداد هذا الملف، فكان أن حاورنا عشرين روائياً وروائية، معظمهم تجلت الثورة السورية خلال سنواتها الخمس الأولى في سردياتهم، ومنهم من بشر أو تنبأ بثورة شعبه ضد النظام البعثي الجاثم على صدر السوريين منذ أكثر من خمسة عقود، فيما كتب بعضهم بيراع الألم عن مخاطر الاستبداد السياسي الذي نحياه والاستبداد الديني الذي سيعيدنا إلى القرون الوسطى، وعن مصائرنا أمام هذه المعادلة القاتلة بين استبدادين سياسي وديني..
وفيما يلي أسئلة الملف:
هل تكون الكتابةُ في الحيزِ الضيقِ، حيزِ المواجهةْ، طوق نجاة في مواجهة هذا الخراب العميم؟ وما أهميةُ الكتابةِ في اللحظةِ الراهنةْ تحت وطأة الزلزال الذي عصف بسوريا منذ خمس سنوات ونيف؟ وماهيةُ لغتِها؟ وكيف يبني الكاتب عمارة روائية والطغاة يدمّرون في البلد كل ساعة بالبراميل المتفجرة أو بالرايات السوداء عمرانًا أو تاريخًا أو أجسادًا أو أرواحًا؟ وهل عبرت الرواية السورية عن مستوى هذا الإجرام الوحشي المدّمر والانحدار الأخلاقي الشديد الذي نعيش فصوله يوماً بعد يوم؟. وهل صحيح أن الرواية -بوصفها جنسًا أدبيًا مهيمنًا اليوم- لاتتمتع بالحرية إلا إذا تعاملت مع الواقع، وأن لا تنفصل عنه، بل عليها في أحيان كثيرة أن تتنبأ به، أو تساهم في تغييره؟ وهل أزال الحدث الثوري غشاوة القمع والمنع، وتمكن/ت الكاتب/ة من إخراج الشرطي من رأسه/ها، منطلقًا نحو لغة حرة؟.
ثمة سؤال آخر؛ إلى مدى تتفق/ين مع الرأي القائل: "أن الأدب الجيد لا يكتب في الأوقات الصعبة، ولا في آتون الحروب وأزمنة المأساة، وإنما بعد أن تخمد الحرائق وتنقشع الغيوم السود، وأن جُلّ الذي كتب في تلك الأزمنة إنما مصيره الهلاك مع من هلك من البشر، وفي ذلك ظلم للتجربة الإنسانية ومغامرتها الأدبية."